حنينٌ لأب!
حنينٌ لأب!
أمشي تحت قمرٍ يتوازن فيه الحضور والغياب،
قمرٍ مكتمل الألوان،
قمرٍ يقبع في التنافر بين كُحلة التماثل وضياء الفروقات.
وهناك تحديداً، بالمسافة التي تفصل القطبين،
يكثر التطهّر والاستيلاد.
أهرولُ بصحبة كرةٍ دائرية، وأحاول أن أستنطق الحال
ولكنّ الكلمات، كالحمام الجالس على أسلاك الكهرباء،
أحيانا ما تكون تلامساً دون تماس،
وأحياناً أخرى يتداعى الوصل ويحضر التماس.
وأصواتُ الصحراءِ عندنا هزّت جزرَ الاستثناء،
وأصواتُ الصحراءِ تعوي في وجه الربيعِ الذي غادرها،
لأجلِ كل ما كان قبل أن يرحل شتاؤها،
لأجلِ كل ما كاد أن يكونَ ولم يكنْ.
مأساتها أنّها، ورغم عودة المطر
ما زالت تقذف نزيف السماء نحو بحر الموتى.
وترفض عودةَ من غادرها، تبصقُه جرفاً وتقول:
صحراءُ أنا، وصحراءَ سأبقى.
وأنا معلقٌ بين سؤالين:
هل انتهت "الخرافة" وتلاشى الشعراء؟!
أم أنّ "الخرافة" باتت نبوءةً تستحضر الخلاص؟!
****
لم يعدْ للوقت من معنى، سوى تلك المسافة،
قبيْل أن تجلسَ على مقعدٍ خشبي وتطرب لإيقاع المسدس،
وبعد أن ينشد جسدك المطمئن مغنّاةَ التوقِ للأبِ المعتكف،
مغنّاة الحنين لأبٍ يتوارى في أزقة الخيم الاسمنتية.
أبٌ يحاكي وليده، وليدٌ يتوق لأبيه،
توق للتوحد، رغم ولادة مأساتها إنّها أيضاً انفصال،
وتوق للبقاءِ كفكرة وطيف، وللبقاء كغياب.
أبٌ
هو عتبةٌ لتمردنا على المألوف والمتشابه،
أبٌ يقول:
أنتَ انفصالي عن نفسي، أنتَ كجبيني ولكنّك أعرض.
أنت كابتسامتي ولكنّها أطرب، أنت كغضبي ولكنّك أغضب.
منحتُك خطاياي يا ولدي، وقدرتك على أن تنسج منها انتقاماً،
ولا تنسَ، أنك فقط أنت عندما تتمرد.
وتمرد وتمرد وتمرد:
على اليأسِ فكن غضباً، وعلى الصورِ المكررة، فكن إبداعاً،
وعلى تآكل الأحلام، فكن تحققاً، وأخلق من الصفرِ هوّة في الجدار،
وأخلق من الاستحالة ممكناً،
وتمرّد وتمرّد وتمرّد،
وأحدث الفارق،
كالشعر الذي يبغضُ التشابهَ، ويبحث دوماً عن الفروقات..
ولا ترحمْ، فمن رحم أشباح الغبار،
يموت مرتين، وأنت يا بُني مثلي ولكنك أكثر.