الباب


تحت ضوءِ مصباحٍ كهربائيّ
وبين الجدران الحادّة التي تخفي الأسرار،
وخلف الثقبِ الذي يتلصص منه الجار،
أغلقُ الباب ورائي، وأتنفس
هنا أكون ما أريد أن أكون،
هنا أتعرّى وأنزع الأقنعة،
أنزعها سريعاً وأعدد تواليها
وأبكي أنّ خلف كل قناع ...قناع.

دون الأبواب
لا شيء يفصل أهل البيت عن الغرباء
دون الأبواب،
لا شيء يفصلنا عمّن رُمي معنا على المستديرة الزرقاء،
لبقينا، دون الأبواب،
في جوف المغارة،
وانتظرنا أن تخيط العنكبوت بابا.

***

الأبواب كثر،
باب تُرك مغلقاً بعد أن هجره أهل البيت،
تُرك معلقاً يعارك الريح وحدَه، وينتظر عودة المتأخِر!
وباب أخر لم يطاوع صفعات الجندِ،
وقف مُعانداً توالي الضربات بارتداد الصوتِ:
لعلَّ الفريسة تُجيد الفرار،
لعلَّ الفريسة تصبح الصياد!

هناك إشاعة يتناقلها المنسيون في البحر،
أنّ باباً موصداً وَجد مفتاحه.
غلقت أبواب أوروبا،
ولم تفتح إلا بعد أن أقدم الأبيض على قتل الأبيض.

وكم من باب أُوصد في وجه من قاتل لأجل أن تفتح كل الأبواب.
وكم من حرٍّ صنع من الجدار باباً،
ومن خطاطيفِ الأسلاك الشائكة مفاتيحاً للعصيان،
الأبواب كثر، ولكن أكثرها مأساوية هو "الباب الدوار"،
وأكثرها تفكراً وتأملاً وأملاً،
أبواب تنبثق من باطن الأرض،
وتلتقط وسع السماء!
****

الباب سيولة الانفتاح والانغلاق
الانفتاح على ألا يكون كل شيء قد حُسم مسبقاً،
أنه عند لقائنا مع يد الباب النحاسية أو الخشبية
أو تلك الأيادي التي تستشعر وجودك وحدَها،
فتمد يدها لك قبل أن تمد يدك عليها،
أنّه عند كل ترجلٍ من الباب،
وكل خروجٍ نحو ما خلفه،
أننا حينها نخاطر بكل شيء،
أننا على موعد مع المُبهم والضبابي والمفاجئ،
أننا نترجل من عزلتنا نحو لقاء مع آخر لن يفهمنا كلياً،
سيؤول الكلام،
وسيخط حكايته الخاصة عن اللقاء،
وسيحكم!

أغلق الباب ورائي وأتنفس،
أضع قناعاً من أقنعة يومٍ يملأه صخب الحوارات القصيرة،
أحاديث الوقت والطقس وما يُراد أن ننسى به،
تلك القشور التي تطفو على السطح،
تلك القشور التي أصبحت هي العمق،
وأتأمل حقيقتي؟
أتأمل من أكون دون أقنعتي!
أنا بابٌ، ينفتح حينا،
وينغلق أحيانَ كثيرة أخرى.

الأكثر قراءة

"صوتك بنعس"

هنا أسجل اعترافي

جنون ليلى!