سؤال الأحياء

 

سؤال الأحياء
لم يتسنَّ لبائع الخبز أن يستنطق الممكن،
انشغل برائحة العيش، وكرر المغنى على مسمع الفرانِ، 
لم يعد يقاتل الا على تكرار الإيقاع... الا على حراسة انتفاخ العجين قبل الفجر بقليل. 
والخبز لا يدرك أنه عجن من قمح لم يُحصد في البلاد، 
الخبز لا يدرك أن اللقمة تحاصر الكلام.
والفمُ توقف عن اختبار لا-نهائية الأصوات الممكنة،
تجده يُبربر دون أن يُفهم، دون أن يقول. 
تجده يلهو بسيجارة، أو يقسو على طفل لم نستأذنه قبل أن نمنحه الحياة. 
يشير الفمُ بإصبعه نحو شجرة،
يظن أن الإشارة هي إيذان امتلاكه للجذور. 
يؤشر على كل الموجودات...على كل المخلوقات...على كل ما يترآى في العين كصورة. 
يؤشر لعله يسبق إشارة القادمين من البحر لتسمية البلاد.
ينسى أن إصبعه قد بتر حين حاول بالسكين أن يطحن الطحين.
هكذا تتشكل "الأنا" في زمن العيش والحُمة:
((النأي، الحذر، البعد، الخوف، حفظ المسافات، الانشغال بطحن المطحون، والاحتماء خلف الزجاج والابواب المسدودة))
الغضب شهيق لا يستدعي زفير،
نحبسه في صخرة الجسد، 
ونكبل وسعه على التحول إلى لغة... إلى فعل أمر!
يعشعش فينا حتى التعبِ.


عن ماذا أدوّن؟ 
عن الرغبة بخيانة الوقت! 
عن الخشية من ممارسة المنفذ الوحيد الممكن.
عن ماذا نتحدث حين يتوقف الكلام؟ 
حين تقطع الأحاديث ضجيج الصمت؟ 
في هذا المدى الواسع بكل ما يملك من مشاعات،
نركض وراء السلحفاة التي لن ندركها، وقد تنامت المسافات،
وكل ما تبقى هو الذنب، بأننا تأخرنا في بدء السباق.
والمرايا لم تعد تعكس الصورة، باتت زجاج يمنحكِ الأفق ويصرفكِ عنه،
يمنحكِ المدى، ويحاصر قدرتكِ على المضي عكس اتجاه الرياح،
نحو مهبط الشمسِ الذي سُلب منا، ومُنِح لنا كسؤال. 
واللغة كالزجاج، سجنٌ يحيط بكِ، يمنحكِ الكلام، يمنحكِ القدرة على الخداع، يمنحكِ مفارقات تصنع اللهو والمزاح،
 ولكنه بالختام، يسلبكِ القوة على أن تُفهمي بحق.
"أنا أكثر بقليل من لغتي".... 
وأوسع بقليل من الزجاج الذي يُحيط عزلتي،
أنا خيال أوسع من انظمة الكلام. 
ولكني نسيت أن في الماضي القريب 
حين سألتُ عن الخلاص،
أجابني الغائب قبل أن يشهد، وقبل أن يستنطق من أفواهنا الحقيقة:
هذا سؤال الأحياء!

الأكثر قراءة

"صوتك بنعس"

هنا أسجل اعترافي