تموت الفكرة؟!

شبح الفكرة


(١)


تنتحر الفكرة أحياناً،

تبهت حين لا تُقنع

وتفنى.

تخونها اللغة،

فتجف كنهر كف عن التدفق.

او كجسر خشبي لم يتسع للعائدين.

ترتبك الفكرة،

كراقص أدرك ثقل حركته

قبل ان يطير،

او كلاعب فقد شهية انتصاره

قبل ان يُسدد.

تتهاوى الفكرة،

حين لا تعانق اللحظة،

تنسلُ من وشاح الزمن

وتفقد القدرة على مناغاة القلب!

للأفكار موعدها مع الموت،

كالشجرة التي تخفي هلاكها لوهلة

حتى لا يلمح الحطاب خراب العروق فيها.


(٢)


ستأتي الريح، تشتد قريباً،

سيأتي الخريف مثقلا باصفراره

وحسرة المواعيد التي لم تكتمل،

سيأتي تشرين

ويتبعه تشرين،

وسنبقى مع أسفنا

على كل ما لم يكن..

على قُبلة داعبت أجسادنا

ولم تعد مفرحة 

وقتما تبددت،

وعلى البيوت التي هجرناها

تلك المقامات التي أهملناها

وحيدة تركناها 

لفعل الدهر فيها وفينا.

لزائرين جدد 

يعبدون شمس "صهيون".

(٣)


كدنا ان نكتمل

حين لبسنا رداء المشيئة

كدنا ان نملك الزمن، وان نلتئم

كدنا ان نُحيى الموتى

كتعويذة إيزيس لحبيبها.

خبأنا بين أضلاعنا

مُفتاح الحياة

واعتقدنا لوهلة ان كل أيامنا ربيع،

وبين البؤس الذي كان

والبؤس الذي يعتري خبز المدينة

يقبع "الزمن الجميل"

ينشدنا

يشدنا

وها نحن نشيخ

كسيدة تدخل السبعين

وهي تخشى نميمة جاراتها!


(٤)


خطوة بخطوة

يتهالك الجسد،

يتآكل،

نُأبد الخريف فينا!

لا نكهة للحزن،

ولا ملح في دموع الفقد.

هكذا هو الندم

بارد وجاف وقبيح بصراحته

هو كل ما سيكون...ولم يكن،

هو انزياح المُخيلة

وعزوفها عن الجرأة،

وانقباض النفس على ذاتها

لأجل نجاتها،

لأجل الا تغرق بخرافاتها

واساطيرها،

لأجل الكبرياء!




(٥)


أحيانا ما نقتل الفكرة

نقتلها بأيدينا،

نُرديها، نُسممها، نلعنها

هكذا هي الأفكار

تنتحر فينا،

بعدما انتحرنا لأجلها.

"نحن غاضبون جدا على أنفسنا"

هكذا يقول الشعراء لنا،

وهكذا يقرأ المؤرخ التاريخ،

معاركنا كلها خسارة،

حتى تلك التي ظفرنا بها.

........

تُخشرم الضباع

وهي تلتهم ما تبقى من عظام اجسادنا:

"أنتم غاضبون على موتكم"!

"بلا تاريخ، أنتم"!

"كائنات لا تذود عن نفسها

الا ضد نفسها...أنتم."

لا تصطاد الضباع 

حتى حين تطارد فريستها،

تأكل بقايانا،

نحن من قتل الفكرة فينا.

هياكل الشعور انقلبت

ذهب الزمن الجميل وانقضى،

غادرنا

لم يعد للخريفِ صُفرته

ولم يعد لنا سوى الغصة.

يقول لنا الشاعر:

"ابحثوا عما-بعد الفكرة"!


(٦)


الم تمت الفكرة؟

الم تنتحر الهواجس كلها؟

إذن، لماذا يتسلل الغُزاة قبل النور بقليل؟

كر وفر،

مدججين،

خائفين،

بكل حديدهم

ومطارقهم،

يريدوننا ان نهجر الحسرة؟

فعلا، هذه حرب

لا توقفها الهزيمة.

أخطأ الشاعر حين ظن ان اللغة قادرة على

مراوغة الانكسار،

وأخطأ بعضنا حين ظن ان الشاعر أصاب!

كل ما اقوله:

إنه

لا ملح في دموع الخسارة.


(٧)


اضحوكة هي الفكرة،

القلبُ بالكاد يتسع للدمِ،

يتصلب الحزن في الاوردة،

ويودع الجسد أشجانه في فخارة،

يبقيها على مسافة.

تنبثق الملهاة

حين ننفصل عن احزاننا،

تبتسم لنا، وتقول:

امشوا على الحافة، 

عيشوا في المفارقة،

ابحثوا عني بين التناقضات.

الفكرة ماتت

ونسينا ان ندفنها!

الفكرة ماتت 

ولكنها تعانقنا كالشبح.

تتسكع معنا في الحانات

تذكرنا بأمد الملذة 

لحظة وتنتهي

لحظة وتغادر

لا يمكن تأبيد المتعة.

الفكرة ماتت ولكنها

ما زالت تبحث عمن يحملها.

تغازل الكثيرين 

وتصطفي الصفوة.

أعجوبة هو الموت فعلا، 

خاصة

عندما يكون الموت

 ولادة. 


(٨)


لم تتفكك الأشياء بعد 

لم تنضج حتى تتفكك،

نحن هنا بين الحافة والملجأ،

قد لا نصل القمة ابداً

وقد نصلها فقط لنقع.

قد تتلاشى الضوضاء قليلا

حين ننصت لمن غرز السكين،

ننصت حتى الصمتِ

لرقصة البطل

ونتأمل السبيل:

لماذا اهتز الجبل؟ 

وهجاً أحمر هو الأفق

وهجاً يخرج من ماسورة،

والمدى شظايا من لحمنا 

تأكلها الضباع لتموتَ.

يغسل الرذاذ ما تبقى من الجذور المنثورة 

دموع المحاولة عذبة!

ولادات في الربيعِ القريبِ

لا تشتاق للزمن الجميل،

لأنها هي ببساطة 

أجمل!


الأكثر قراءة

"صوتك بنعس"

هنا أسجل اعترافي

سؤال الأحياء