ما زلنا

ما زلنا


ما يُخيفُني بحق

ليس النهاية، فهي مفتوحة

وقد يتبع إسدال الستارة حرارة التهليل،

او نقدٌ يلوم المخرج على رداءة التمثيل.

لا اخاف

حين يغافلني الفجرِ

أو اولِ الكلام حين يلقى الحديد،

ما يقلقني قليلا

ان ابوح، بعد التعبِ، سرَ الحبيب.

ولكن ما يخيفُني أكثر:

ان القى الخوف وحيدا،

وان لا أجد حولي من أبصر خوفي فيه.


يتسارع جسدي بين سكون الجدرانِ،

لا ملائكة تغيث جسدي الليلة

سوى كبسولة وحيدة على المنضدة

وأخرى ذابت بين حرارة الضلوع.

أتأمل مدارات القلب

(تسارع ومن ثم تباطؤ)

ايمكن لكبسولة ان تُسكن درب التائه القلِق؟

وأن تجبل من نياط القلبِ فؤادا؟

ام انها، فحسب، تطيل الطريق إلى التراب؟!


أدعو إلى غرفتي شاشة،

أضع وهجها امامي،

لا أنام إلا على أصواتها

ولا أصحو إلا على موسيقاها..

شاشة هي امتدادي

وشاشة هي قدم أخيل،

وقلق امي يتراءى امامي كنظرة، وأحيانا اخرى كصورة،

او نسخة عن صورة.

ما أثقل الشاشة حين يتوارد على أضواءها قلق أُم لا تعلم كيف

تحرس ابناءها!

----------

أقول لنفسي:

ما يخفيني بحق

أني على علنٍ خبئت اسراري.

لم أر شاشة تتوب عن ذنوبها.

لم أر شاشة تتضرع:

"رب السماوات والأرض،

يسمع ويجيب"..

ما يخفيني بحق:

اننا تمادينا...

وتوقفنا عن اصطياد السمك بصنارة،

واعتقدنا انه يُمكن تجفيف المحيط.

مم ننتقم نحن؟

من قسوة الشجرِ؟

أم من بطش المطر؟

أم من دهانِ الوردِ؟

اُطهر خطوط يدي من احتمالات الشدة،

وأرجف عند كل لقاء، وأحسب بحذر كل خطوة

كأني خوارزمية: أتوقع الويل، واقترح المنجى.

الازم الجدران، وعند الترحالِ

أضع على مبسمي الحدّ،

وأصرخ:

يا موت، هل اتيت؟

بيننا لقاء وعتاب على ما أنهيتَ وما أجلتَ..

وعلى ما قطفتَ من فاكهة الروح.. 

سأفضحك يا موتُ.

وسأعصي!


الشعر

اول من أستدرج الطبيعة،

وأول من توسل إثر الاجنحة

وأول من أعاد احياء آلهة الدمار

ولكن ما يخفيني بحق

هؤلاء، العابثون بخرائط الجسدِ.

والباحثون في باطن التراب

عن سر رجل غازل الجنون.

---------

أما هم،

تصافحوا مع الحظِ وداعا،

وامتلكوا القدر، او هكذا خمنوا..

وأودعوا أنفسهم بزجاجة دائرية

تلتقط مقذوفات السماء،

ونسيو ان النرجس هش

وأنه في ماض ٍ ليس ببعيد،

حينما أكمل القاتل المهمة، لم يعتقد انه ارتكب ذنبا.

ما يخفيني بحق،

أنهم فقدوا القدرة على السؤال،

وأنهم بالرغم من كل ما كان،

ما زالوا يعبثون بحركة الأشياء.

(التاريخ والنباتات وما تُخفيه كثافة الضباب)


لا أخاف النهاية،

أخاف نهاية النهايات،

والأداة حين تصبح هي المنال.

التفت قليلا إلى اليسار،

أرى مدينة تجثي على رُكبها،

وبعض الموتى يطلقون تهاليل الانتصارات.

كما أرى تلةً تستلقي فوق أخرى، تغرز انيابها بالقمة، وتجردها من غبارها،

تقتل اخضرار ربيعها، وتحيطها بخطاطيف الأسلاك الشائكة.

وأرى

شجراً يقتل ترائبه

وسماءً تبتلع السماء

وحدودا تتراءى كألوان الحرباء،

وأرى تلة تحردُ من القمرِ

وكتلة من الثرى تنبعثُ من الارضِ

وتتناثر على جفون العراة.

خمس وخمسون دلالة

واقمار الكيفلار يذيبها لمعان الشمس قبل المغيب.

وأرى حارسا يقطع صخرة سقطت من حرش يستدير على نفسه.

هناك، حيث الأرض التي ستكون قريبا جوفاء.

هناك، حيثُ تقطنُ روح الرجل الذي غازل الجنون.

ما الذي بقي؟

وأولاد العمِ يفتكون الدمِ

على مرأى من الشرفات المنبوذة!


لا أخاف النهاية،

أخاف نهاية النهايات،

والأعين الخفية التي تقتفي

قُمع السجائر

وهمساتِ الرفاق.

اتحرك نحو المجهول،

التفت إلى اليمين قليلا،

أرى كهلا يبيع مرارة اللوز

ويُقدس زمن الاخرين

ويغني النشاز، 

يملك موته القريب،

ومنا له: النسيان.

وارى فتاة تهبُ زائريها صفحة بيضاء

وتخط على وجنتيها: "قدرة الوقت على علاج المرارة."

وتغني في الامس: إيقاع يبزق في وجه التنين. 

أرى فتاة أخرى تنزوي وحدها بزنزانة ضاقت عليها

وتُعاين انفصال نفسها عن نفسها،

وتتساءل: متى يعود الكلام؟

أرى صديقة لم تهلع حين امسكت بها البالوعة، 

حاكت من خيوط القضبانِ دُمى،

وأهدتها لمن نجى، وكأنها تقول: انا معكم بالغياب.

وأرى صبيا لم يبلغ العشرين يُقارع بيديه

رتلا من الخفافيش.

يضربه الخفاش الأول، يبتسم ويقول: لن تكسر الا سني.

يضربه الخفاش الثاني، يبتسم ويقول: لن تكسر الا ضلعي.

وتستمر حفلة الضرب حتى الفجرِ،

وثلاث أشهر من العزلة،

وما زال يقول: لن تكسروا الا هيكلي.

أرى أب بُعث إلى الحياة بعد ان صاحب الموت لوهلة، 

وأم تبكي وتستغيث: لا تصلبه يا رب، هذا ليس ولدك.

وحبيب سُرق منا بالأمس يقول: ارقصوا بين الكوارث.

و"رجل افتراضي" أحيى سرديات الموتِ

وخط من القلمِ "فكاهة" و"افق".

أرى طفلة تحتضن الاغصان وتُعاتب اباها على غيابه القصير.

أرى رجلا يقترب من الخمسين

يُعيد تأويل الذكريات ويستحضرها كسكين..

يصرخ في وجه الحاضر: عودي يا بساطة.

أغمض عيني أحيانا،

أغمضها حتى لا تثقلني كثرة الصورِ،

وغصة المسرح،

وانصتُ لرياح تحمل بالوناً قادم من الغربِ

ولارتقاء خطوات "رجال الله" من الأرضِ.

أنصتُ لقصة فتى ترك في قلب ابيه غصة،

ولأم لم تتلعثم امام جثمان وليدها،

ولابنة ابيها التي زغردت بعرس الدمِ..

أسمعُ أهازيج البارود في آذار،

واختلي مع اوهامي، تلك التي ستبدد،

وتلك التي ستتحقق،

أغرق بكل شخوصي،

تلك التي تريد أن تصعد درج السماء السابعة.

وتلك الأخرى التي لا تستطيع إخلاء السرير.

أغفو

أرانا جميلين كأطفال لم يدركوا الموت بعد.

أرانا نقسم أنفسنا قسمين، قسما يلعب دور الجيشِ،

وقسما آخر يبقى عربيا،

أرانا نلعب دون ان نفترق بحق،

دون ان تُباعدنا توازي الازمنة،

ودون الشواهد السوداء.

أرانا نضحك بعد ان نزج أحدنا بسجن جبلناه من الهواء.

ارانا نحمل على اكتافنا الاكثر خفة، 

ونردد شعارات لم نعي بعد فحواها. 

وأيقنُ،

أن وراء كل وجع حكاية، ووراء كل أمل صورة،

وبين والالم والامل حدّ رفيع وحرف.

ماذا تبقى من شظف الزمنِ؟

وصايا الصادقين وفراق العُشاقِ،

الأصدقاء منهم والغرباء،

وابتهاجات شعب لا خيار له سوى أن يكون،

أو أن يكاد أن يكون. 

ونحنُ،

أجساد لا تمتلك العديد من الآلات.

ما زلنا!


الأكثر قراءة

"صوتك بنعس"

هنا أسجل اعترافي

سؤال الأحياء